فصل ـ 1 ـ
في ذكر خلق آدم وحوّا صلوات الله عليهما :
1 ـ أخبرني الشّيخ عليّ بن عليّ بن عبد الصّمد (1) النّيشابوري ، عن أبيه ، أخبرنا السّيد أبو البركات عليّ بن الحسين الجوزي (2) ، أخبرنا الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، أخبرنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، قالا : أخبرنا سعد بن عبدالله أخبرنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، أخبرنا الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سئل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام هل كان في الأرض خلق من خلق الله تعالى يعبدون الله قبل (3) آدم عليه السلام وذرّيته ؟ فقال : نعم قد كان في السّماوات والأرض خلق من خلق الله يقدّسون الله ، ويسبّحونه ، ويعظّمونه باللّيل والنّهار لا يفترون ، وأنّ الله (4) عزّ وجلّ لمّا خلق الأرضين (1)
خلقها قبل السّماوات .
ثم خلق الملائكة روحانيّين لهم أجنحة يطيرون بها حيث يشاء الله ، فأسكنهم فيما بين (2) أطباق السّماوات يقدّسونه في اللّيل والنّهار (3) ، واصطفى (4) منهم إسرافيل وميكائيل وجبرائيل .
ثم خلق عزّ وجّل في الأرض الجنّ روحانيين لهم (5) أجنحة ، فخلقهم دون خلق الملائكة ، وخفظهم (6) أن يبلغوا مبلغ الملائكة في الطيران وغير ذلك ، فأسكنهم فيما بين أطباق الأرضين السّبع وفوقهنّ يقدّسون (7) الله اللّيل والنّهار لا يفترون .
ثم خلق خلقاً دونهم ، لهم أبدان وأرواح بغير أجنحة ، يأكلون ويشربون نسناس أشباه (
خلقهم وليسوا بإنس ، وأسكنهم أوساط الأرض على ظهر الأرض مع الجن يقدّسون (9) الله اللّيل (10) والنّهار لا يفترون .
قال : وكان الجن تطير في السّماء ، فتلقى الملائكة في السّماوات ، فيسلمون عليهم ويزورونهم ويستريحون اليهم ويتعلّمون منهم الخير .
ثمّ أنّ طائفة من الجن والنّسناس الّذين خلقهم الله واسكنهم أوساط الأرض مع (11) الجن تمرّدوا وعتوا عن أمر الله ، فمرحوا وبغوا في الأرض بغير الحقّ ، وعلا بعضهم على بعض في العتوّ على الله تعالى ، حتّى سفكوا الدماء فيما بينهم ، وأظهروا الفساد ، وجحدوا ربوبيّة
الله (1) تعالى .
قال : وأقامت الطائفة المطيعون من الجن على رضوان الله تعالى وطاعته ، وباينوا الطايفتين من الجن والنسناس اللّين (2) عتوا عن أمر الله .
قال : فحط الله أجنحة (3) الطائفة من الجنّ الّذين عتوا عن أمر الله وتمرّدوا ، فكانوا لا يقدرون على الطّريان إلى السّماء وإلى ملاقاة الملائكة لما (4) ارتكبوا من الذّنوب والمعاصي .
قال : وكانت الطائفة المطيعة لأمر الله من الجنّ تطير إلى السّماء اللّيل والنّهار على ما كانت عليه ، وكان ابليس ـ واسمه الحارث ـ يظهر للملائكة أنه من الطائفة المطيعة .
ثم خلق الله تعالى خلقاً على خلاف خلق الملائكة وعلى خلاف خلق الجن (5) وعلىخلاف خلق النّناس يدبّون كما يدبّ الهوام في الأرض يشربون ويأكلون كما تأكل الأنعام من مراعي الأرض ، كلّهم ذكران ليس فيهم أناث ، ولم يجعل (6) الله فيهم شهوة النّساء ، ولا حبّ الأولاد ، ولا الحرص ، ولا طول الأمل ، ولا لذّة عيش (7) ، لا يلبسهم اللّيل ، ولا يغشاهم النّهار ، وليسوا ببهائم (
ولا هوام ولباسهم (9) ورق الشجر ، وشربهم من العيون الغزار والأودية الكبار .
ثم أراد الله يفرقهم فرقتين ، فجعل فرقة خلف مطلع الشّمس من وراء البحر ، فكوّن لهم مجينة أنشأها لهم تسمّى (10) « جابرسا » طولها اثنا عشر ألف فرسخ في اثنى عشر ألف
فرسخ ، وكوّن عليها سوراً من حديد يقطع الأرض إلى السّماء ، ثمّ أسكنهم فيها .
وأسكن الفرقة الأخرى خلف مغرب الشمس من وراء البحر ، وذول لهم مدينة أنشاها تسمّى (1) « جابلقا » طولها اثنا عشر ألف (2) فرسخ في اثني عشر ألف فرسخ ، وكوّن لهم سوراً من حديد يقطع إلى السماء (3) ، فأسكن الفرقة الأخرى فيها ، لا يعلم أهل جابرسا بموضع أهل جابلقا ، ولا يعلم أهل جابلقا بموضع أهل جابرسا ، ولا يعلم بهم أهل أوساط الأرض من الجنّ والنّسناس .
وكانت (4) الشّمس تطلع على أهل أوساط الأرض (5) من الجنّ والنّسناس ، فينتفعون بحرّها ويستضيئون بنورها ، ثمّ تغرب في عين حمئة ، فلا يعلم بها أهل جابلقا اذا غربت ولا يعلم بها أهل (6) جابرسا اذا طلعت ، لأنّها تطلع من دون جابرسا ، وتغرب من دون جابلقا .
فقيل يا أمير المؤمنين : فكيف يبصرون ويحيوُن ؟ وكيف يأكلون ويشربون ؟ وليس تطلع الشّمس عليهم (7) ؟
فقال صلوات الله عليه : أنّهم يستضيئون (
بنور الله ، فهم في أشدّ ضوء من نور الشّمس ، ولا يرون أن الله تعالى خلق شمساً ولا قمراً ولا نجوماً ولا كواكب ، ولا يعرفون شيئاً غيره .
فقيل يا أمير المؤمنين : فأين ابليس عنهم ؟
قال : لا يعرفون ابليس ولا سمعوا (9) بذكره ، لا يعرفون إلاّ الله وحده لا شريك له ، لم
يكتسب أحد منهم قطّ خطيئة ولم يقترف (1) اثماً لا يسقمون ولا يهرمون ولا يموتون ، يعبدون الله إلى يوم القيامة لا يفترون ، الليل والنهار عندهم سواء .
قال : إنّ الله (2) أحبّ أن يخلق خلقاً ، وذلك بعد ما مضى من الجن (3) والنّسناس سبعة آلاف سنة ، فلمّا كان من خلق الله أن يخلق آدم للّذي أراد من التّدبير والتّقدير فيما هو مكوّنه من السماوات والأرضين كشف عن (4) أطباق السّماوات .
ثم قال الملائكة : انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجنّ والنّسناس هل ترضون أعمالهم وطاعتهم لي ؟ فاطلعت الملائكة ورأوا (5) ما يعملون فيما من المعاصي وسفك الدّماء والفساد في الأرض بغير الحقّ ، اعظموا ذلك وغضبوا لله ، وأسفوا على أهل الأرض ، ولم يملكوا غضبهم وقالوا : ربّنا أنت (6) العزيز الجبّار الظّاهر العظيم (7) الشّأن وهؤلاء كلّهم خلقك الضعيف الذليل في أرضك ، كلّهم ينقلبون (
في قبضتك ، ويعيشون برزقك ويتمتّعون بعافيتك ، وهم يعصونك بمثل هذه الذّنوب العظام لا تغضب ولا تنتقم منهم لنفسك بما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك علينا واكبرناه (9) فيك .
قال : فلمّا سمع الله تعالى مقالة (10) الملائكة قال : إنّي جاعل في الأرض خليفة فيكون حجّتي على خلقي في الأرض (11) ، فقالت الملائكة : سبحانك ربّنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك ؟
فقال الله تعالى : يا ملائكتي انّي أعلم ما لا تعلمون أنّي أخلق خلقاً بيدي أجعلهم (1) خلفائي على خلقي في أرضي ، ينهونهم عن معصيتي ، وينذرونهم (2) ويهدونهم الى طاعتي ، ويسلكون بهم طريق سبيلي ، أجعلهم حجّة لي عذراً ونذراً (3) وأنفي الشّياطين من أرضي وأطهّرها منهم ، فأسكنهم في الهواء من أقطار (4) الأرض وفي الفيافي ، فلا يراهم خلق ، ولا يرون شخصهم ، ولا يجالسونهم ، ولا يخالطونهم ، ولا يؤاكلونهم ، ولا يشاربونهم ، وأنفرّ مردة الجنّ العصاة عن نسل (5) بريّتي وخلقي وخيرتي ، فلا يجاورون خلقي ، وأجعل بين خلقي وبين الجانّ حجاباً ، فلا يرى خلقي شخص الجنّ ، ولا يجالسونهم ، ولا يشاربونهم ، ولا يتهجّمون تهجّمهم ، ومن عصاني من نسل خلقي الّذي عظّمته واصطفيته لغيبي أسكنهم (6) مساكن العصاة وأوردهم موردهم (7) ولا أبالي .
فقال الملائكة : لا علم لنا ألاّ ما علّمتنا انّك أنت العليم الحكيم ، فقال للملائكة (
: انيّ خالق بشراً من صلصال من حماء مسنون فاذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (9) .
قال : وكان ذلك من الله تقدمة للملائكة قبل أن يخلقه احتجاجاً منه عليهم ، وما كان الله ليغيّر ما بقوم إلاّ (10) بعد الحجّة عذراً عذراً أو نذراً ، فأمر تبارك ملكاً من الملائكة ، فاغترف غرفة بيمينه ، فصلصلها في كفّه فجمدت ، فقال الله عزّ وجلّ : منك أخلق (11)
____________
فصل ـ 1 ـ
في ذكر خلق آدم وحوّا صلوات الله عليهما :
1 ـ أخبرني الشّيخ عليّ بن عليّ بن عبد الصّمد (1) النّيشابوري ، عن أبيه ، أخبرنا السّيد أبو البركات عليّ بن الحسين الجوزي (2) ، أخبرنا الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، أخبرنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، قالا : أخبرنا سعد بن عبدالله أخبرنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، أخبرنا الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سئل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام هل كان في الأرض خلق من خلق الله تعالى يعبدون الله قبل (3) آدم عليه السلام وذرّيته ؟ فقال : نعم قد كان في السّماوات والأرض خلق من خلق الله يقدّسون الله ، ويسبّحونه ، ويعظّمونه باللّيل والنّهار لا يفترون ، وأنّ الله (4) عزّ وجلّ لمّا خلق الأرضين (1)
خلقها قبل السّماوات .
ثم خلق الملائكة روحانيّين لهم أجنحة يطيرون بها حيث يشاء الله ، فأسكنهم فيما بين (2) أطباق السّماوات يقدّسونه في اللّيل والنّهار (3) ، واصطفى (4) منهم إسرافيل وميكائيل وجبرائيل .
ثم خلق عزّ وجّل في الأرض الجنّ روحانيين لهم (5) أجنحة ، فخلقهم دون خلق الملائكة ، وخفظهم (6) أن يبلغوا مبلغ الملائكة في الطيران وغير ذلك ، فأسكنهم فيما بين أطباق الأرضين السّبع وفوقهنّ يقدّسون (7) الله اللّيل والنّهار لا يفترون .
ثم خلق خلقاً دونهم ، لهم أبدان وأرواح بغير أجنحة ، يأكلون ويشربون نسناس أشباه (
خلقهم وليسوا بإنس ، وأسكنهم أوساط الأرض على ظهر الأرض مع الجن يقدّسون (9) الله اللّيل (10) والنّهار لا يفترون .
قال : وكان الجن تطير في السّماء ، فتلقى الملائكة في السّماوات ، فيسلمون عليهم ويزورونهم ويستريحون اليهم ويتعلّمون منهم الخير .
ثمّ أنّ طائفة من الجن والنّسناس الّذين خلقهم الله واسكنهم أوساط الأرض مع (11) الجن تمرّدوا وعتوا عن أمر الله ، فمرحوا وبغوا في الأرض بغير الحقّ ، وعلا بعضهم على بعض في العتوّ على الله تعالى ، حتّى سفكوا الدماء فيما بينهم ، وأظهروا الفساد ، وجحدوا ربوبيّة
الله (1) تعالى .
قال : وأقامت الطائفة المطيعون من الجن على رضوان الله تعالى وطاعته ، وباينوا الطايفتين من الجن والنسناس اللّين (2) عتوا عن أمر الله .
قال : فحط الله أجنحة (3) الطائفة من الجنّ الّذين عتوا عن أمر الله وتمرّدوا ، فكانوا لا يقدرون على الطّريان إلى السّماء وإلى ملاقاة الملائكة لما (4) ارتكبوا من الذّنوب والمعاصي .
قال : وكانت الطائفة المطيعة لأمر الله من الجنّ تطير إلى السّماء اللّيل والنّهار على ما كانت عليه ، وكان ابليس ـ واسمه الحارث ـ يظهر للملائكة أنه من الطائفة المطيعة .
ثم خلق الله تعالى خلقاً على خلاف خلق الملائكة وعلى خلاف خلق الجن (5) وعلىخلاف خلق النّناس يدبّون كما يدبّ الهوام في الأرض يشربون ويأكلون كما تأكل الأنعام من مراعي الأرض ، كلّهم ذكران ليس فيهم أناث ، ولم يجعل (6) الله فيهم شهوة النّساء ، ولا حبّ الأولاد ، ولا الحرص ، ولا طول الأمل ، ولا لذّة عيش (7) ، لا يلبسهم اللّيل ، ولا يغشاهم النّهار ، وليسوا ببهائم (
ولا هوام ولباسهم (9) ورق الشجر ، وشربهم من العيون الغزار والأودية الكبار .
ثم أراد الله يفرقهم فرقتين ، فجعل فرقة خلف مطلع الشّمس من وراء البحر ، فكوّن لهم مجينة أنشأها لهم تسمّى (10) « جابرسا » طولها اثنا عشر ألف فرسخ في اثنى عشر ألف
فرسخ ، وكوّن عليها سوراً من حديد يقطع الأرض إلى السّماء ، ثمّ أسكنهم فيها .
وأسكن الفرقة الأخرى خلف مغرب الشمس من وراء البحر ، وذول لهم مدينة أنشاها تسمّى (1) « جابلقا » طولها اثنا عشر ألف (2) فرسخ في اثني عشر ألف فرسخ ، وكوّن لهم سوراً من حديد يقطع إلى السماء (3) ، فأسكن الفرقة الأخرى فيها ، لا يعلم أهل جابرسا بموضع أهل جابلقا ، ولا يعلم أهل جابلقا بموضع أهل جابرسا ، ولا يعلم بهم أهل أوساط الأرض من الجنّ والنّسناس .
وكانت (4) الشّمس تطلع على أهل أوساط الأرض (5) من الجنّ والنّسناس ، فينتفعون بحرّها ويستضيئون بنورها ، ثمّ تغرب في عين حمئة ، فلا يعلم بها أهل جابلقا اذا غربت ولا يعلم بها أهل (6) جابرسا اذا طلعت ، لأنّها تطلع من دون جابرسا ، وتغرب من دون جابلقا .
فقيل يا أمير المؤمنين : فكيف يبصرون ويحيوُن ؟ وكيف يأكلون ويشربون ؟ وليس تطلع الشّمس عليهم (7) ؟
فقال صلوات الله عليه : أنّهم يستضيئون (
بنور الله ، فهم في أشدّ ضوء من نور الشّمس ، ولا يرون أن الله تعالى خلق شمساً ولا قمراً ولا نجوماً ولا كواكب ، ولا يعرفون شيئاً غيره .
فقيل يا أمير المؤمنين : فأين ابليس عنهم ؟
قال : لا يعرفون ابليس ولا سمعوا (9) بذكره ، لا يعرفون إلاّ الله وحده لا شريك له ، لم
يكتسب أحد منهم قطّ خطيئة ولم يقترف (1) اثماً لا يسقمون ولا يهرمون ولا يموتون ، يعبدون الله إلى يوم القيامة لا يفترون ، الليل والنهار عندهم سواء .
قال : إنّ الله (2) أحبّ أن يخلق خلقاً ، وذلك بعد ما مضى من الجن (3) والنّسناس سبعة آلاف سنة ، فلمّا كان من خلق الله أن يخلق آدم للّذي أراد من التّدبير والتّقدير فيما هو مكوّنه من السماوات والأرضين كشف عن (4) أطباق السّماوات .
ثم قال الملائكة : انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجنّ والنّسناس هل ترضون أعمالهم وطاعتهم لي ؟ فاطلعت الملائكة ورأوا (5) ما يعملون فيما من المعاصي وسفك الدّماء والفساد في الأرض بغير الحقّ ، اعظموا ذلك وغضبوا لله ، وأسفوا على أهل الأرض ، ولم يملكوا غضبهم وقالوا : ربّنا أنت (6) العزيز الجبّار الظّاهر العظيم (7) الشّأن وهؤلاء كلّهم خلقك الضعيف الذليل في أرضك ، كلّهم ينقلبون (
في قبضتك ، ويعيشون برزقك ويتمتّعون بعافيتك ، وهم يعصونك بمثل هذه الذّنوب العظام لا تغضب ولا تنتقم منهم لنفسك بما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك علينا واكبرناه (9) فيك .
قال : فلمّا سمع الله تعالى مقالة (10) الملائكة قال : إنّي جاعل في الأرض خليفة فيكون حجّتي على خلقي في الأرض (11) ، فقالت الملائكة : سبحانك ربّنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك ؟
فقال الله تعالى : يا ملائكتي انّي أعلم ما لا تعلمون أنّي أخلق خلقاً بيدي أجعلهم (1) خلفائي على خلقي في أرضي ، ينهونهم عن معصيتي ، وينذرونهم (2) ويهدونهم الى طاعتي ، ويسلكون بهم طريق سبيلي ، أجعلهم حجّة لي عذراً ونذراً (3) وأنفي الشّياطين من أرضي وأطهّرها منهم ، فأسكنهم في الهواء من أقطار (4) الأرض وفي الفيافي ، فلا يراهم خلق ، ولا يرون شخصهم ، ولا يجالسونهم ، ولا يخالطونهم ، ولا يؤاكلونهم ، ولا يشاربونهم ، وأنفرّ مردة الجنّ العصاة عن نسل (5) بريّتي وخلقي وخيرتي ، فلا يجاورون خلقي ، وأجعل بين خلقي وبين الجانّ حجاباً ، فلا يرى خلقي شخص الجنّ ، ولا يجالسونهم ، ولا يشاربونهم ، ولا يتهجّمون تهجّمهم ، ومن عصاني من نسل خلقي الّذي عظّمته واصطفيته لغيبي أسكنهم (6) مساكن العصاة وأوردهم موردهم (7) ولا أبالي .
فقال الملائكة : لا علم لنا ألاّ ما علّمتنا انّك أنت العليم الحكيم ، فقال للملائكة (
: انيّ خالق بشراً من صلصال من حماء مسنون فاذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (9) .
قال : وكان ذلك من الله تقدمة للملائكة قبل أن يخلقه احتجاجاً منه عليهم ، وما كان الله ليغيّر ما بقوم إلاّ (10) بعد الحجّة عذراً عذراً أو نذراً ، فأمر تبارك ملكاً من الملائكة ، فاغترف غرفة بيمينه ، فصلصلها في كفّه فجمدت ، فقال الله عزّ وجلّ : منك أخلق (11)
____________
فصل ـ 1 ـ
في ذكر خلق آدم وحوّا صلوات الله عليهما :
1 ـ أخبرني الشّيخ عليّ بن عليّ بن عبد الصّمد (1) النّيشابوري ، عن أبيه ، أخبرنا السّيد أبو البركات عليّ بن الحسين الجوزي (2) ، أخبرنا الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، أخبرنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، قالا : أخبرنا سعد بن عبدالله أخبرنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، أخبرنا الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سئل أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام هل كان في الأرض خلق من خلق الله تعالى يعبدون الله قبل (3) آدم عليه السلام وذرّيته ؟ فقال : نعم قد كان في السّماوات والأرض خلق من خلق الله يقدّسون الله ، ويسبّحونه ، ويعظّمونه باللّيل والنّهار لا يفترون ، وأنّ الله (4) عزّ وجلّ لمّا خلق الأرضين (1)
خلقها قبل السّماوات .
ثم خلق الملائكة روحانيّين لهم أجنحة يطيرون بها حيث يشاء الله ، فأسكنهم فيما بين (2) أطباق السّماوات يقدّسونه في اللّيل والنّهار (3) ، واصطفى (4) منهم إسرافيل وميكائيل وجبرائيل .
ثم خلق عزّ وجّل في الأرض الجنّ روحانيين لهم (5) أجنحة ، فخلقهم دون خلق الملائكة ، وخفظهم (6) أن يبلغوا مبلغ الملائكة في الطيران وغير ذلك ، فأسكنهم فيما بين أطباق الأرضين السّبع وفوقهنّ يقدّسون (7) الله اللّيل والنّهار لا يفترون .
ثم خلق خلقاً دونهم ، لهم أبدان وأرواح بغير أجنحة ، يأكلون ويشربون نسناس أشباه (
خلقهم وليسوا بإنس ، وأسكنهم أوساط الأرض على ظهر الأرض مع الجن يقدّسون (9) الله اللّيل (10) والنّهار لا يفترون .
قال : وكان الجن تطير في السّماء ، فتلقى الملائكة في السّماوات ، فيسلمون عليهم ويزورونهم ويستريحون اليهم ويتعلّمون منهم الخير .
ثمّ أنّ طائفة من الجن والنّسناس الّذين خلقهم الله واسكنهم أوساط الأرض مع (11) الجن تمرّدوا وعتوا عن أمر الله ، فمرحوا وبغوا في الأرض بغير الحقّ ، وعلا بعضهم على بعض في العتوّ على الله تعالى ، حتّى سفكوا الدماء فيما بينهم ، وأظهروا الفساد ، وجحدوا ربوبيّة
الله (1) تعالى .
قال : وأقامت الطائفة المطيعون من الجن على رضوان الله تعالى وطاعته ، وباينوا الطايفتين من الجن والنسناس اللّين (2) عتوا عن أمر الله .
قال : فحط الله أجنحة (3) الطائفة من الجنّ الّذين عتوا عن أمر الله وتمرّدوا ، فكانوا لا يقدرون على الطّريان إلى السّماء وإلى ملاقاة الملائكة لما (4) ارتكبوا من الذّنوب والمعاصي .
قال : وكانت الطائفة المطيعة لأمر الله من الجنّ تطير إلى السّماء اللّيل والنّهار على ما كانت عليه ، وكان ابليس ـ واسمه الحارث ـ يظهر للملائكة أنه من الطائفة المطيعة .
ثم خلق الله تعالى خلقاً على خلاف خلق الملائكة وعلى خلاف خلق الجن (5) وعلىخلاف خلق النّناس يدبّون كما يدبّ الهوام في الأرض يشربون ويأكلون كما تأكل الأنعام من مراعي الأرض ، كلّهم ذكران ليس فيهم أناث ، ولم يجعل (6) الله فيهم شهوة النّساء ، ولا حبّ الأولاد ، ولا الحرص ، ولا طول الأمل ، ولا لذّة عيش (7) ، لا يلبسهم اللّيل ، ولا يغشاهم النّهار ، وليسوا ببهائم (
ولا هوام ولباسهم (9) ورق الشجر ، وشربهم من العيون الغزار والأودية الكبار .
ثم أراد الله يفرقهم فرقتين ، فجعل فرقة خلف مطلع الشّمس من وراء البحر ، فكوّن لهم مجينة أنشأها لهم تسمّى (10) « جابرسا » طولها اثنا عشر ألف فرسخ في اثنى عشر ألف
فرسخ ، وكوّن عليها سوراً من حديد يقطع الأرض إلى السّماء ، ثمّ أسكنهم فيها .
وأسكن الفرقة الأخرى خلف مغرب الشمس من وراء البحر ، وذول لهم مدينة أنشاها تسمّى (1) « جابلقا » طولها اثنا عشر ألف (2) فرسخ في اثني عشر ألف فرسخ ، وكوّن لهم سوراً من حديد يقطع إلى السماء (3) ، فأسكن الفرقة الأخرى فيها ، لا يعلم أهل جابرسا بموضع أهل جابلقا ، ولا يعلم أهل جابلقا بموضع أهل جابرسا ، ولا يعلم بهم أهل أوساط الأرض من الجنّ والنّسناس .
وكانت (4) الشّمس تطلع على أهل أوساط الأرض (5) من الجنّ والنّسناس ، فينتفعون بحرّها ويستضيئون بنورها ، ثمّ تغرب في عين حمئة ، فلا يعلم بها أهل جابلقا اذا غربت ولا يعلم بها أهل (6) جابرسا اذا طلعت ، لأنّها تطلع من دون جابرسا ، وتغرب من دون جابلقا .
فقيل يا أمير المؤمنين : فكيف يبصرون ويحيوُن ؟ وكيف يأكلون ويشربون ؟ وليس تطلع الشّمس عليهم (7) ؟
فقال صلوات الله عليه : أنّهم يستضيئون (
بنور الله ، فهم في أشدّ ضوء من نور الشّمس ، ولا يرون أن الله تعالى خلق شمساً ولا قمراً ولا نجوماً ولا كواكب ، ولا يعرفون شيئاً غيره .
فقيل يا أمير المؤمنين : فأين ابليس عنهم ؟
قال : لا يعرفون ابليس ولا سمعوا (9) بذكره ، لا يعرفون إلاّ الله وحده لا شريك له ، لم
يكتسب أحد منهم قطّ خطيئة ولم يقترف (1) اثماً لا يسقمون ولا يهرمون ولا يموتون ، يعبدون الله إلى يوم القيامة لا يفترون ، الليل والنهار عندهم سواء .
قال : إنّ الله (2) أحبّ أن يخلق خلقاً ، وذلك بعد ما مضى من الجن (3) والنّسناس سبعة آلاف سنة ، فلمّا كان من خلق الله أن يخلق آدم للّذي أراد من التّدبير والتّقدير فيما هو مكوّنه من السماوات والأرضين كشف عن (4) أطباق السّماوات .
ثم قال الملائكة : انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجنّ والنّسناس هل ترضون أعمالهم وطاعتهم لي ؟ فاطلعت الملائكة ورأوا (5) ما يعملون فيما من المعاصي وسفك الدّماء والفساد في الأرض بغير الحقّ ، اعظموا ذلك وغضبوا لله ، وأسفوا على أهل الأرض ، ولم يملكوا غضبهم وقالوا : ربّنا أنت (6) العزيز الجبّار الظّاهر العظيم (7) الشّأن وهؤلاء كلّهم خلقك الضعيف الذليل في أرضك ، كلّهم ينقلبون (
في قبضتك ، ويعيشون برزقك ويتمتّعون بعافيتك ، وهم يعصونك بمثل هذه الذّنوب العظام لا تغضب ولا تنتقم منهم لنفسك بما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك علينا واكبرناه (9) فيك .
قال : فلمّا سمع الله تعالى مقالة (10) الملائكة قال : إنّي جاعل في الأرض خليفة فيكون حجّتي على خلقي في الأرض (11) ، فقالت الملائكة : سبحانك ربّنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك ؟
فقال الله تعالى : يا ملائكتي انّي أعلم ما لا تعلمون أنّي أخلق خلقاً بيدي أجعلهم (1) خلفائي على خلقي في أرضي ، ينهونهم عن معصيتي ، وينذرونهم (2) ويهدونهم الى طاعتي ، ويسلكون بهم طريق سبيلي ، أجعلهم حجّة لي عذراً ونذراً (3) وأنفي الشّياطين من أرضي وأطهّرها منهم ، فأسكنهم في الهواء من أقطار (4) الأرض وفي الفيافي ، فلا يراهم خلق ، ولا يرون شخصهم ، ولا يجالسونهم ، ولا يخالطونهم ، ولا يؤاكلونهم ، ولا يشاربونهم ، وأنفرّ مردة الجنّ العصاة عن نسل (5) بريّتي وخلقي وخيرتي ، فلا يجاورون خلقي ، وأجعل بين خلقي وبين الجانّ حجاباً ، فلا يرى خلقي شخص الجنّ ، ولا يجالسونهم ، ولا يشاربونهم ، ولا يتهجّمون تهجّمهم ، ومن عصاني من نسل خلقي الّذي عظّمته واصطفيته لغيبي أسكنهم (6) مساكن العصاة وأوردهم موردهم (7) ولا أبالي .
فقال الملائكة : لا علم لنا ألاّ ما علّمتنا انّك أنت العليم الحكيم ، فقال للملائكة (
: انيّ خالق بشراً من صلصال من حماء مسنون فاذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (9) .
قال : وكان ذلك من الله تقدمة للملائكة قبل أن يخلقه احتجاجاً منه عليهم ، وما كان الله ليغيّر ما بقوم إلاّ (10) بعد الحجّة عذراً عذراً أو نذراً ، فأمر تبارك ملكاً من الملائكة ، فاغترف غرفة بيمينه ، فصلصلها في كفّه فجمدت ، فقال الله عزّ وجلّ : منك أخلق (11)